الثلاثاء، أغسطس 09، 2011

تفريغ محاضرة حتى يحببكم الله .... جزء أول

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله


بها يُصَدَر كل كتاب ويُستَفتَح كل خطاب


الحمد لله


حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطإنه


الحمد لله


نحمده تعالي حمد عباده الذاكرين الشاكرين


حمدا يوافي نعمه علينا و يكافىء مزيدا


ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة ورأفة


للعالمين. نذيرا وبشيرا للمؤمنين


فصل يا رب وسلم عليه صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين


وعلى آله وصحبه أجمعين


أما بعد





حيا الله الطيبات


نقيم المحاضرة بإذن الله تعالى على ثلاثة محاور


· الأول مدخل نظري للمراد من المحاضرة ألا وهو الوصول للعمل بالتنزيل حتى ننال محبة الله بحق.




· الثاني عرض لصور أسباب المحبة وأسباب البغض من الله لعباده فنسأله أن يرزقنا محبته وحبه وأن يقينا شر عصيانه وبغضه


وذلك حتى نتبع الأسباب الداعية للمحبة ونتجنب الأسباب الجالبة للبغض والعياذ بالله


· الثالث وهو المهم وهو واجب عملي منوط بكل منا القيام به


· ألا وهو تتبع هذه الآيات التي سنقوم إن شاء الله بعرضها حتى نقيم فى أنفسنا ما يؤهلنا لنيل المحبة


· ونخلص أنفسنا مما دعا للبغض إن كنا قد وقعنا فى إحداها أو نقي أنفسنا من البداية الوقوع فيها فالوقاية خير من العلاج



فعلى بركة الله نبدأ بالمدخل النظري وما هو إلا عرض لحال أهل القرآن وممن يجدر ذكرهم سلفنا الصالح خير القرون الذين ضربوا المثل فى كل مجال وأحسنوا فزادهم الله فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان





من مقال يُفصل حال السلف الصالح مع القرآن اقتطف هذه الدرر


فقد أثنى الله في كتابه القرآن الكريم على


المؤمنين من عباده، وبَيَن إنهميتأثرون بالقرآن،


فتقشعر منه أبدانهم، وتهفو إليه نفوسهم،


ويزدادون به


إيمانا على إيمانهم.
يقول الله تعالى:
ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰبا مُّتَشَـٰبِها مَّثَانىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ ذَ‌ٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنْ هَادٍ " سورة الزمر آية 23].


هؤلاء المؤمنين الذين يسمعون القرآن فتصبح هذه حالهم عند سماعه


ويقول جل وعلا:
" وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ أنهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا۟ بِهِۦ فَتُخْبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإن ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِلَىٰ صِرَ‌ٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ "



سورة الحج آية 54


اى لما تناولوا القرآن وعلموا أنه الحق هكذا استقبلوه هفت له القلوب واستقبلته هذا الاستقبال



وقال تبارك وتعالى:
"



إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً.."
[سورة الإنفالآية 2].


كل هذه الآيات توضح وتصف حال هؤلاء المؤمنين وهيئتهم عند استقبال القرآن



وقد تكرر هذا المعنى في القرآن كثيراً.






وانطلاقاً من هذاالمعنى الذي أشارت إليه


الآيات الكريمات رأينا سلف الأمة الصالح


رضوانالله عليهم يضربون لنا أروع الأمثلة


في الارتباط بكتاب الله تعالى منجميع الوجوه:


دعوة إليه، وتلاوة له، وتدبراً لآياته، وعملاً


بأحكامه.

يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله في شأن



القرآن، وكيف تعامل السابقون معه:
"إن من كان قبلكم رآه (أي القرآن) رسائل من



ربهم،فكانوا يتدبرونها بالليل ، وينفذونها


بالنهار" [إحياء علوم الدين ج2ص 498].



نعلم أن القرآن للتعبد بمجرد قراءته ولكن لابد أن يكون هناك حالاً مختلفاً للمرء أثناء قراءته للقرآن وهو أن يرى كل آية كرسالة تخصه تحدثه...


على الرغم من أن القرآن نزل من قرون وفى أحداث معينة إلا أننا نعلم أن القرآن لكل الأزمان والعصور فاعتبري واعلمي أن كل كلمة تقرأينها هي رسالة تخصك وموجهة لشخصك



وحتى يتضح المقال السابق أسوق بعضاً من


أقوالهم وأحوالهم في هذا الشإن.

  • ففيما يتعلق بدعوتهم إلى حب كتاب الله
والتمسك به وردت هذه الأقوال:

يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود


رضي الله عنه:


"من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله


عز وجل


فليعرض نفسه على القرآن، فإنما القرآن كلام


الله


عز وجل، فمن أحب القرآن فهو يحب الله عز وجل"




استنشاق نسيم الإنس من نفحات الرياض القدس ص 40 ابن رجب].




فمن خلال هذا التقييم نستطيع أن نعرف موقعنا منه



وورد أيضاً عنه قوله: "لا يسأل أحدكم عن


نفسه إلا القرآن،فإن كان يحب القرآن ويعجبه فهو يحب الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله سبحانه ورسوله"






إحياءعلوم الدين ج3 ص 496


أبو حامد الغزالي].



وقال سفيإن بن عيينة رضيالله عنه:




"لا تبلغون ذروة هذا الأمر حتى لا يكون شيء


أحب إليكم من الله عز وجل، فمن أحب


القرآن فقد أحب الله عز وجل"



[استنشاق نسيم الأنس ص 40 ابن رجب].







  • وفيما يتعلق بحرصهم على قراءة القرآن وإدامة تلاوته نورد هذه الأدلة:


- يقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وحذيفة بن اليمإن رضي الله عنهما:

"لو طهرت قلوبنا لم تشبع من قراءة القرآن"

[إحياء علوم الدين ج 3 ص 520].







معنى ذلك أن الإحجام عن تعاهد القرآن يعنى أن هناك خللاً فلينظر المرء ما الخلل فيصلحه!!!



وأُثر عن الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري


رضي الله عنه قوله: "إني لأستحي ألا أنظركل يوم في عهد ربي مرة"


[تفسير القرطبي ج1 ص 24 ].







وروى مثل ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.


[التذكارفي أفضل الأذكار ص 179].








وذكر الإمام القرطبي في كتابه (التذكارفي أفضل الأذكار) [ص 108]:




أن محمد بن شجاع لما حضرته الوفاة أشار إلى بيت فقال:
"ختمت القرآن في ذلك البيت في الصلاة ثلاثة آلا ف مرة".









هذا جهدهم رضى الله عنهم ورحمهم رحمة واسعة



وكانوا يرون من التقصير المشين أن يؤتى الرجل القرآن ثم يتغافل عن قراءته والنظر فيه.




يقول أبو العالية:
"كنا نعد من أعظم الذنب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام لا يقرأ منه شيئاً"





[الزهد ص 303 لأحمد بن حنبل].








معنى يُؤتى :اى أنه تيسرت له وسائل تعلم القرآن وقراءته


وكانوا رضوان الله عليهم نموذجاً يحتذي في التدبر لآيات الله عملاً بقوله تعالى:




"كِتَـٰبٌ إنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌۭ لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ "
[سورة ص آية 29].




ومن أقوالهم في هذا الشأن ما يلي:


يقول محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه:من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله، وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله، بل يقرؤه كما يقرا العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله، ويعمل بمقتضاه"

[إحياء علوم الدين ج1 ص 516].







يعنى عبد آتاه كتاب من سيده وصاحبه أو رئيس الرجل فى العمل ... مباشرة يقرآه الرجل كي ينفذ ما فيه من أوامر فهكذا يوجه الشيخ المرء ..حيث من الواجب أن نتخذ القرآن على هذا المحمل أنه كتاب من السيد لعبده فعليه أن يقرآه بعناية لتنفيذ ما فيه من أمور ونواه ومطالبات



وقال بعض العلماء في هذا الصدد أيضاً:

"هذا القرآن رسائل أتتنا من قبل ربنا عز وجل بعهوده نتدبرها في الصلوات ونقف عليها في


الخلوات وننفذها في الطاعات والسنن المتبعات"

[نفس المرجع والصفحة].






و ليس فقط تكريس الجه لحفظ القرآن وإن كنا لا نقلل من شأن الحفظ إنما هو فضيلة يتنافس عليها الأفاضل

وكانوا يرون أن قليلاً من القراءة مع تفهم وتدبر خير من كثير منها مع غفلة القلب وشرود الذهن.





يقول الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

لآن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله هذرمة"






[نفس المرجع ج33 ص 502].






وقال أيضاً:


"لإن أقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ البقرة وآل عمران تهذيراً"


[نفس المرجع والصفحة،


ومعنى الهذرمة والتهذير:الإسراع في القراءة].




وقال رجل لعبدالله بن مسعود رضى الله عنه:
إني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال عبد الله:
هذا كهذِّ الشعر، إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوزتراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع"



[لا يجاوز تراقيهم: معناه أنهم يقرؤون القرآن بألسنتهم ولا يصل إلى قلوبهم، والتراقي جمع ترقوة، وهي العظم بين ثغرةالنحر والعاتق،






ويؤكدون في كلماتهم على أن تدبر القرآن


وتفهمه إلى جانب كونه مطلباً دينياً وسيلة


تربوية ناجحة لشفاء القلوب من قسوتها،


والأعين من جمودها.


يقول وهيب بن الورد رضي الله عنه:


"نظرنا في هذه الأحاديث فلم نجد شيئاً أرق للقلوب ولا أشد استجلاباً للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره".

[إحياء علوم الدين 3/516].







ويتحدثون عن طريقة تحصيل التدبر أثناء التلاوة فيقول أحدهم وهو الحافظ جلال الدين السيوطي:

"وتسن القراءة بالتدبر والتفهم، فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، به تنشرح الصدور




وتستنير القلوب…
وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكير في معنى ما يلفظ به فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوذ، أوتنزيه نزه وعظم، أو دعاء تضرع وطلب"


[الإتقإن في علوم القرآن ج1 ص 106].







ويقول الإمام أبو حامد الغزالي:

"




فتأثر العبد بالتلاوة أن يصير بصفة الآية المتلوة،
فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت،


وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح
، وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعاً لجلاله، استشعاراً لعظمته، وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عزوجل ولداً وصاحبة،
يغض صوته وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم،


وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقاً إليها، وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفاً منها"

[إحياء علوم الدين ج3 ص 516- 517].







وكانوا يرون أن خلو القراءة من التدبر يجعلها كأن لم تكن.

يقول الإمام القرطبي:

"قال العلماء: يجب على القارئ إحضار قلبه، والتفكير عند قراءته،لأنه يقرأ خطاب الله الذي خاطب به عباده، فمن قرأ ولم يتفكر فيه وهو من أهل أن يدركه بالتذكر والتفكير ( أى لديه العلم والفهم والقدرة عيهما ) كان كمن لم يقرأه، ولم يصل إلى غرض القراءة من قراءته، فإن القرآن يشتمل على آيات مختلفة
الحقوق، فإذا ترك التفكير والتدبر فيما قرأ استوت الآيات كلها عنده، فلم يرع لواحدة منها حقها، ...فثبت أن التفكير شرط في القراءة يتوصل به إلى إدراك أغراضه ومعانيه وما يحتوي عليه من عجائبه"


[التذكار في أفضل الأذكار ص 195- 196].


وأسوق هذه الأمثلة على تدبر السلف الصالح


لكتاب الله تعالى، والتي تنبئ
عن الأسلوب الذي كانوا يتعاملون به
عند تلاوتهم لكتاب الله تعالى.



يقول بعض السلف:
"كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة
حتى تلوته كأني أسمعه من رسول الله
صلى الله عليه وسلم يتلوه على أصحابه،
ثم رُفعت إلى مقام فوقه،
فكنت أتلوه كأني أسمعه من جبريل
عليه السلام يلقيه على رسول الله
صلى الله عليه وسلم،
ثم منَّ الله علي بمنزلة أسمى،
فأنا الآن أسمعه من المتكلم به
،وعندها وجدت لذة ونعيماً لا صبر لي عنهما"





[إحياء علوم الدين ج3 ص 520].







هذا حال من وصل به الأمر
وكأنه يسمع القرآن من الله تعالى
كأنه نزل الأن عليه
فيهب مباشرة ينفذ ويحقق المراد




ويقول المفكر محمد إقبال:
"قد كنت تعمدت أن أقرأ القرآن
بعد صلاة الصبح كل يوم،


وكان أبي يراني فيسألني،
ماذا أصنع؟ فأجيبه:أقرأ القرآن.


وظل على ذلك ثلاث سنوات متتاليات،
يسألني سؤاله فأجيبه جوابي،
وذات يوم قلت له: مالك يا أبي
تسألني نفس السؤال، وأجيبك جواباً واحداً
، ثم لايمنعك ذلك عن إعادة السؤال من غد؟




فقال إنما أردت إن أقول لك ياولدي:
اقرأ القرآن كأنما إنزل عليك،
ومنذ ذلك اليوم بدأت اتفهم القرآن،
وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست
ومن درره ما نظمت"




[روائع إقبال ص 42 أبو الحسن الندو]





سبحإن الله تعالى هذا حال أهل القرآن




- وقد ورد في كثير من الآثار أن تدبرهم
للقرآن الكريم كان يظهر
بصورةعملية تتمثل في


البكاء، وأحيإنا فيما هو أكثر من البكاء.


وهذه بعض الأمثلة:


(I) جاء في صحيح الحديث أنه لما اشتد مرض
الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

"مروا أبا بكر فليصل بالناس،
فقالت أم المؤمنين عائشةرضي الله عنها:
"إن أبابكر رجل رقيق إذا قرأ غلب عليه البكاء"






اللهم ارزقنا حبك وحب من أحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك


***************

يُتبع إن شاء الله